كان أشعثا، مغبّر الشعر، مرقع الثوب، وله عينان غائرتان .. كان شكلة ومظهره العام شحاذا، لكن هناك ثمة نظرة عجيبة بعينيه خاصة حينما حاولت أن أعطيه المال فرفض .. يا ترى ما سر تلك النظرة؟ ومن يكون هذا الشخص؟
أشار لي بيديه المتسختين كي أنظر إلى إمرأة تقف على ناصية الطريق الآخر، لم يكن يتحدث سمعته يتمتم فقط بكلمات لا أفهمها ، أردت مساعدته سألته: كيف لي أن أساعدك؟
اقترب من أذني اليمنى وبصوت منخفض قال: أنا جائع؛ وهي أيضا!
ابتعدت قليلا حاولت أن اعطيه المال لكنه رفض أيضا، فسرعان ما خطر في بالي أنه ربما يريدني أن أذهب وأشتري بنفسي له الطعام ففي مدينتي وبهذا الشارع بالذات الكثير من المطاعم الفخمة التي لن يستطيع أن يدخلها ويجلب لنفسه مايريد،
ذهبت مسرعة إلى المطعم الذي خلفي واخترت له من قائمته بعضا من الخبر واللحم والماء وقدمته له،
ابتسمت وجنتاه راضيا وأخذ مني الطعام وعبر الشارع إلى تلك المرأة التي تقف بعيدا، وأشارا لي مودعاً
وعندما رفعت يدي لأشير لهما كانا قد اختفيا من أمامي كيف بهذه السرعة ذهبا؟! لم أعر الأمر أهمية وأكملت طريقي..
سرت إلى مقر عملي شاردة الذهن ، نسيت أن أحضر قهوتي المعتادة، تخبرني زميلتي أني قد تأخرت ساعتين عن العمل وأن مديري يبحث عني، لم أصدقها حتى نظرت إلى ساعتي وعقاربها تسارع الخطى، أصابني الذعر أين كنت الساعتين اللتين مضيتا ، كيف مرت هكذا دون أن أشعر؟! جلست على مكتبي أسندت رأسي المجهد على طاولتي ثم غفوت!
هيا يالمياء استيقظي لقد تأخر الوقت ، يجب أن نذهب ، فركت عيناي أحاول أن أستجمع نفسي، تتثاقل عيني عن الرؤية أنظر أمامي أجد أختي الوسطى وفي يدها طفل صغير بني الشعر ناعس الطرف رائحته زكية ، ينظر لي ويبتسم ويشير لي أن حمله، قبلت رأسه وحملته نظرت إلى أختي قالت لي:
- طارق في انتظارك مع أبي
، نظرت في دهشة من أمري من طارق؟
-زوجك..!
-زوج من يا علياء
-ضحكتْ بسخرية! زوجك لمياء!!
- علا صوتي هل أنا متزوجة ، كيف ذلك متى تزوجت ؟
-لمياء ما بكِ اهدئي، هل أنتي بخير؟
-لا أعلم أنا لست بخير يا علياء لست بخير، وناولتها الطفل الذي بيدي ،
استجمعت قواي أخذت نفسا عميقا وقفت أمام المرآة ، يقتحمني صوت أبي عند باب حجرتي مناديا هيا يا أم علي ، تبسمت - حسنا يا أبي..
خرجت خلف أبي إلى حيث يجلس الجميع ، جميعهم في انتظاري مهنئيين بيوم مولدي،
التفت حولي لم أجد أمي..
اين أمي ياعلياء؟
امي توفيت منذ سنتين ، مابكِ لمياء ما الأمر؟
اصابتها دهشة مني ولم تنطق!!
خرجت من المنزل مسرعة الخطى أركض في الشارع لا أدري إلى أين أذهب!! كل مايدور في خاطري أنني جننت وأن من حولي يتآمرون علي ، أين أنا من كل هذا ،اين ذهبت سنين عمري التي مضت وسُحبت مني كالعقد المنثور، كم احتاجك يا أمي ، ضممت كفيٓ على وجهي واغرقت نفسي بالدموع ، وإذ بأحدهم خلفي يناديني بصوت خافت ، لا تبكي يالمياء لن تقف الحياة عندك ستستمر، نظرت له وإذ به نفس الرجل أشعث الشعر ممسكا كتفي ، خفت منه ووقفت بعيدا عنه لكنه اقترب وأمسك يدي قائلا لي:- الموت لا يُخيف ياصغيرتي أنت الآن في أمان تعالي معي..
-- إلى أين تريدني أن أذهب؟
- إلى مكانك الجديد؟
-مكاني...صمتُّ وسرت معه..
وقف بنا أمام قبر مكتوب عليه ..
المرحومة لمياء عبدالباسط